فصل: الفصل الثَّانِي: فِي أَحْكَامِ الْقِتَالِ وَالْمُعَاهَدَاتِ وَهِيَ عِشْرُونَ حُكْمًا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الباب الرَّابِعُ: فِي الْمَسَائِلِ الْمَالِيَّةِ وَالْعَسْكَرِيَّةِ وَالسِّيَاسِيَّةِ، وَمَا فِيهَا مِنْ أَحْكَامِ الْقِتَالِ وَالْعُهُودِ:

وَفِيهِ ثَلَاثَةُ فَصُولٍ:

.الفصل الْأَوَّلُ فِي أَحْكَامِ الْأَمْوَالِ:

تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ أَحْكَامُ الْغَنَائِمِ، وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ أَمْوَالِ الْحَرْبِ، وَفَرْضِ الْخُمُسِ فِيهَا، وَمَصَارِفِهِ، وَحَقِّ آلِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم فِيهِ، وَحِكْمَتِهِ، وَمَا لِلْأُمَّةِ فِيهِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ، وَبَيَانِ أَنْوَاعِ الْأَمْوَالِ الشَّرْعِيَّةِ فِي الْإِسْلَامِ، وَأُمَّهَاتِ مَقَاصِدِهَا فِي الدَّوْلَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ. فَمَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ مُتَمِّمٌ لِمَا قَبْلَهُ فِي الْأَمْوَالِ، كَمَا أَنَّهَا مُتَمِّمَةٌ لِمَا فِيهَا مِنْ أَحْكَامِ الْقِتَالِ وَشُئُونِ الْمُنَافِقِينَ وَالْكُفَّارِ.
وَالْكَلَامُ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ:
(1) الْمَسَائِلُ الدِّينِيَّةُ وَالِاجْتِمَاعِيَّةُ فِي الْأَمْوَالِ.
(2) أَنْوَاعُ الْأَمْوَالِ وَمَصَارِفُهَا.
(3) فَوَائِدُ إِصْلَاحِ الْإِسْلَامِ الْمَالِيِّ لِلْبَشَرِ.
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: فِي مَكَانِ إِنْفَاقِ الْمَالِ مِنَ الْإِيمَانِ، وَالْبُخْلِ بِهِ مِنَ النِّفَاقِ:
وَفِيهِ عَشْرُ مَسَائِلَ:
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى):
كَوْنُ الزَّكَاةِ الْمُعَيَّنَةِ أَحَدَ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، لَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ مِنَ الْكَفَّارِ بِدُونِ الْتِزَامِهَا، وَلَا تَحْصُلُ أُخُوَّتُهُ الدِّينِيَّةُ إِلَّا بِأَدَائِهَا، وَاعْتِبَارُ مَانِعِيهَا مِنَ الْجَمَاعَاتِ مُرْتَدِّينَ تَجِبُ مُقَاتَلَتُهُمْ. وَفِي الْأَفْرَادِ خِلَافٌ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُ الْكَلَامِ فِيهِ، وَنَصُّ ذَلِكَ فِي قوله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} (9: 5) وَقَوْلُهُ: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} (9: 11) وَيُؤَكِّدُ عَدَّ الزَّكَاةِ كَالصَّلَاةِ مِنْ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ الرَّاسِخَةِ فِي آية: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (9: 71) إِلَخْ.
(الْمَسْأَلَةُ الثانية):
كَوْنُ بَذْلِ الْأَمْوَالِ فِي سَبِيلِ اللهِ آيَةَ الْإِيمَانِ الصَّحِيحِ وَقِوَامَ الدِّينِ، وَمِنْ شَوَاهِدِهِ الْآيَتَانِ الْمُشَارُ إِلَيْهِمَا آنِفًا فِي فَرِيضَةِ الزَّكَاةِ، وَمِنْهَا الْآية: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ} (9: 20) إِلَى قَوْلِهِ فِي الْآية: {إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (9: 22) وَمِنْهَا الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ لِمَنْ أَمْوَالُهُ وَتِجَارَتُهُ وَسَائِرُ حُظُوظِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ، وَهُوَ فِي الْآيَةِ (24) وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي آيَةِ النَّفِيرِ الْعَامِّ: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ} (9: 41) وَقَوْلُهُ: {لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} (9: 44) وَيُتِمُّ مَعْنَاهَا الْآيَتَانِ بَعْدَهَا، وَمِنْهَا قوله تعالى: {فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (9: 55).
(الْمَسْأَلَةُ الثالثة):
كَوْنُ الْبُخْلِ وَالِامْتِنَاعِ عَنِ الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللهِ آيَةَ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ فَمِنْ شَوَاهِدِهِ عَدَمُ قَبُولِ نَفَقَةِ الْمُنَافِقِينَ، وَكَوْنُ أَمْوَالِهِمْ بَلَاءً وَوَبَالًا عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فِي الْآيَاتِ (53 و54 و55)، (وَمِنْهَا) لَمْزُ الْمُنَافِقِينَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قِسْمَةِ الصَّدَقَاتِ لِلطَّمَعِ فِي الْمَالِ فِي الْآيَةِ (58)، (وَمِنْهَا) وَصْفُ الْمُنَافِقِينَ بِالْبُخْلِ وَقَبْضِ الْأَيْدِيِ عَنِ الْإِنْفَاقِ فِي قَوْلِهِ: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ} (9: 67) وَيُؤَكِّدُهَا ضَرْبُ الْمَثَلِ لَهُمْ فِي الْآيَةِ (70) بَعْدَهَا بِالَّذِينِ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْمَغْرُورِينَ بِالْقُوَّةِ وَالْمَالِ، وَوَصْفُ الْمُؤْمِنِينَ بَعْدَهَا بِصِفَاتٍ مِنْهَا (إِيتَاءُ الزَّكَاةِ).
(وَمِنْهَا) قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ} (9: 75) الْآيَةَ، وَالْوَعِيدُ الشَّدِيدُ عَلَى الْبُخْلِ فِي الْآيَاتِ الَّتِي بَعْدَهَا (وَمِنْهَا) لَمْزُ الْمُنَافِقِينَ لِلْمُتَطَوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ فِي الْآيَةِ (79) وَمِنْهَا {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ} (9: 81) الْآيَةَ.
(الْمَسْأَلَةُ الرابعة):
وَصْفُ كَثِيرٍ مِنْ رُؤَسَاءِ الدِّينَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ بِأَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ تَحْذِيرًا مِنْ فِعْلَتِهِمْ، وَرَفْعًا لِقَدْرِ كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يُسِفَّ وَيَسْفُلَ إِلَى دَرَكَتِهِمْ.
(الْمَسْأَلَةُ الخامسة):
الْوَعِيدُ عَلَى كَنْزِ الْأَمْوَالِ وَعَدَمِ إِنْفَاقِهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فِي الْآيَتَيْنِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} (9: 34 و35).
(الْمَسْأَلَةُ السادسة):
آية: {وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا} (9: 98) وَهُمْ مُنَافِقُوهُمْ كَبَنِي أَسَدٍ وَغَطَفَانَ، كَانُوا يُعْطُونَ الصَّدَقَاتِ رِيَاءً. وَخَوْفًا لَا يَرْجُونَ مِنْهَا نَفْعًا بِتَأْيِيدِ الْإِسْلَامِ وَلَا ثَوَابًا فِي الْآخِرَةِ لِعَدَمِ إِيمَانِهِمْ، فَهِيَ فِي نَظَرِهِمْ مَغَارِمُ يَلْتَزِمُونَهَا لِيُصَدَّقُوا بِمَا يُظْهِرُونَ مِنْ إِسْلَامِهِمْ، وَهَكَذَا شَأْنُ الْمُنَافِقِينَ فِي الدِّينِ وَفِي الْقَوْمِيَّةِ وَالْوَطَنِيَّةِ لَا يَبْذُلُونَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِمْ لِأَجْلِ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ، بَلْ لِلرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ، وَهُوَ فِي نَظَرِهِمْ غَرَامَةٌ.
(الْمَسْأَلَةُ السابعة):
آية: {وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ} (9: 99) وَهُمْ بَنُو أَسْلَمَ وَغِفَارَ وَجُهَيْنَةَ، وَحَسْبُكَ شَهَادَةُ اللهِ تَعَالَى لَهُمْ بِصِدْقِ إِيمَانِهِمْ وَحُسْنِ نِيَّتِهِمْ فِي نَفَقَاتِهِمْ، وَحُكْمُهَا عَامٌّ.
(الْمَسْأَلَةُ الثامنة):
التَّرْغِيبُ فِي الصَّدَقَاتِ بِالتَّعْبِيرِ عَنْ قَبُولِهَا وَالْإِثَابَةِ عَلَيْهَا بِأَخْذِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لَهَا كَمَا فِي الْآيَةِ (104).
(الْمَسْأَلَةُ التاسعة):
التَّرْغِيبُ فِيهَا بِقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} (9: 111) الْآيَةَ.
(الْمَسْأَلَةُ العاشرة):
فَضْلُ النَّفَقَةِ فِي الْجِهَادِ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ، وَكَوْنُ الْجَزَاءِ عَلَيْهَا أَحْسَنَ الْجَزَاءِ، وَهُوَ نَصُّ الْآيَةِ (121) وَتَفْسِيرُهَا فِي أَوَّلِ هَذَا الْجُزْءِ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْوَاعُ الْأَمْوَالِ الشَّرْعِيَّةِ وَأَحْكَامُهَا بِالْإِجْمَالِ وَمَصَارِفُهَا:
وَفِيهِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً:
(1) مَالُ الْجِزْيَةِ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَاهَا وَتَارِيخَهَا وَأَحْكَامَهَا وَشُرُوطَهَا فِي تَفْسِيرِ آيَةِ الْجِزْيَةِ (29) وَهُوَ فِي (248- 249 ج10 ط الْهَيْئَةِ).
(2) أَنْوَاعُ الصَّدَقَاتِ الْوَاجِبَةِ الْمُقَدَّرَةِ الْمَوْقُوتَةِ، وَهِيَ النَّقْدَانِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَالتِّجَارَةِ فِي اسْتِغْلَالِهِمَا، وَالْأَنْعَامُ وَالزَّرْعُ الَّذِي عَلَيْهِ مَدَارُ الْأَقْوَاتِ، وَالرِّكَازُ: وَهُوَ الْمَدْفُونُ فِي الْأَرْضِ يُعْثَرُ عَلَيْهِ، وَالْمَعْدِنُ (رَاجِعْ 423 و439 ج10 تَفْسِيرٌ).
(3) سَهْمُ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَهَلْ هُمَا صِنْفَانِ أَوْ صِنْفٌ وَاحِدٌ يَنْقَسِمُ بِالْوَصْفِ إِلَى قِسْمَيْنِ؟ (رَاجِعْ ص423 وَمَا بَعْدَهَا ج10 ط الْهَيْئَةِ).
(4) سَهْمُ الْعَامِلِينَ عَلَى الصَّدَقَاتِ مِنْ جُبَاةٍ وَخَزَنَةٍ وَكَتَبَةٍ (ص426).
(5) سَهْمُ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَهُمْ سِتَّةُ أَصْنَافٍ (ص426).
(6) سَهْمُ الرِّقَابِ: أَيْ تَحْرِيرُ الرَّقِيقِ بِإِعَانَتِهِ عَلَى شِرَائِهِ لِنَفَسِهِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِالْكِتَابَةِ، أَوْ شِرَائِهِ مِنْ مَالِكِهِ وَعِتْقِهِ (ص429).
(7) سَهْمُ الْغَارِمِينَ الَّذِينَ رَكِبَتْهُمْ دُيُونٌ تَعَذَّرَ عَلَيْهِمْ أَدَاؤُهَا، وَالَّذِينَ يَغْرِمُونَ عَمْدًا مَا يُنْفِقُونَهُ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَمَنْعِ الْفِتَنِ الثَّائِرَةِ (ص430).
(8) سَهْمُ الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللهِ عَلَى الْغُزَاةِ وَالْمُرَابِطِينَ الَّذِينَ لَا نَفَقَةَ لَهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَمَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ ذَلِكَ مِنَ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ (ص430- 436).
(9) سَهْمُ ابْنِ السَّبِيلِ وَهُوَ الْمُنْقَطِعُ عَنْ بَلَدِهِ فِي سَفَرٍ لَا يَتَيَسَّرُ لَهُ فِيهِ الْوُصُولُ إِلَى مَالِهِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، فَيُعْطَى لِفَقْرِهِ الْعَارِضِ مَا يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى إِتْمَامِ سِيَاحَتِهِ وَالْعَوْدِ إِلَى بَلَدِهِ وَأَهْلِهِ (ص435).
(10) الدَّلِيلُ عَلَى كَوْنِ عُرُوضِ التِّجَارَةِ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ (ص439).
(11) تَوْزِيعُ الصَّدَقَاتِ عَلَى الْأَصْنَافِ كُلِّهِمْ أَوْ بَعْضِهِمْ (ص439).
(12) الزَّكَاةُ الْمُطْلَقَةُ وَالْمُعَيَّنَةُ وَمَكَانَتُهَا فِي الدِّينِ، وَحُكْمُ دَارِ الْإِسْلَامِ وَدَارِ الْكُفْرِ فِيهَا، وَالْبِلَادِ الْمُذَبْذَبَةِ بَيْنَ الدَّارَيْنِ (ص441).
(13) لَا تُعْطَى الزَّكَاةُ لِلْمُرْتَدِّينَ وَلَا لِلْإِبَاحِيِّينَ وَالْمَلَاحِدَةِ (ص442).
(14) الْتِزَامُ أَدَاءِ الزَّكَاةِ كَافٍ لِإِعَادَةِ مَجْدِ الْإِسْلَامِ (ص443).
القسم الثَّالِثُ: فِي فَوَائِدِ الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَالصَّدَقَاتِ وَإِصْلَاحِ الْإِسْلَامِ الْمَالِيِّ لِلْبَشَرِ، وَامْتِيَازُ الْإِسْلَامِ بِذَلِكَ عَلَى جَمِيعِ الْأَدْيَانِ:
وَفِيهِ مُقَدِّمَةٌ فِي مَنَافِعِ الْمَالِ وَارْتِبَاطِ جَمِيعِ مَصَالِحِ الْبَشَرِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالدِّينِيَّةِ بِهِ وَشَأْنِهِمْ فِي حُبِّهِ وَكَسْبِهِ وَإِنْفَاقِهِ وَإِمْسَاكِهِ، وَإِرْشَادِ الدِّينِ فِيهِ، وَكَوْنِ الْإِسْلَامِ وَسَطًا بَيْنَ الْيَهُودِيَّةِ وَالْمَادِّيَّةِ فِيهِ، وَغُلُوِّ عِبَادِهِ مِنَ الْيَهُودِ وَالْإِفْرِنْجِ فِي جَمْعِهِ وَاسْتِغْلَالِهِ، وَبَيْنَ بِدْعَةِ الْبُلْشُفِيَّةِ الِاشْتِرَاكِيَّةِ فِي مُقَاوَمَةِ الشُّعُوبِ وَالدُّوَلِ الْمَالِيَّةِ وَغُلُوِّهَا فِي ذَلِكَ وَفِي عَدَمِ الْأَدْيَانِ. وَتَلْخِيصُ الْإِصْلَاحِ الْإِسْلَامِيِّ الْمَالِيِّ فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَصْلًا (فَتُرَاجَعُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْجُزْءِ).

.الفصل الثَّانِي: فِي أَحْكَامِ الْقِتَالِ وَالْمُعَاهَدَاتِ وَهِيَ عِشْرُونَ حُكْمًا:

(الْحُكْمُ الْأَوَّلُ) الْبَرَاءَةُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَنَبْذُ عُهُودِ الْمُعَاهِدِينَ مِنْهُمْ، ذَلِكَ أَنَّ مُشْرِكِي مَكَّةَ قَدْ نَاصَبُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم الْعَدَاوَةَ مُنْذُ دَعَا إِلَى التَّوْحِيدِ، وَتَبِعَهُمْ سَائِرُ الْعَرَبِ فَكَانُوا حَرْبًا لَهُ وَلِمَنْ آمَنَ بِهِ يَقْتُلُونَ كُلَّ مَنْ ظَفِرُوا بِهِ مِنْهُمْ أَوْ يُعَذِّبُونَهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَحْمِيهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَلَمَّا هَاجَرُوا مِنْ مَكَّةَ صَارُوا يُقَاتِلُونَهُمْ فِي دَارِ هِجْرَتِهِمْ وَكَانَ اللهُ يَنْصُرُ رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمْ كَمَا وَعَدَهُ، حَتَّى إِذَا مَا كَثُرُوا وَصَارَتْ لَهُمْ شَوْكَةٌ اضْطُرَّ الْمُشْرِكُونَ إِلَى عَقْدِ أَوَّلِ صُلْحٍ مَعَهُمْ فِي الْحُدَيْبِيَةِ فَعَاهَدُوهُمْ سَنَةَ سِتٍّ لِلْهِجْرَةِ عَلَى السِّلْمِ وَالْأَمَانِ مُدَّةَ عَشْرِ سِنِينَ، وَلَمْ تَلْبَثْ قُرَيْشٌ مَعَ أَحْلَافِهَا مِنْ بَنِي بَكْرٍ أَنْ غَدَرُوا وَنَقَضُوا الْعَهْدَ، فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِفَتْحِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ سَنَةَ ثَمَانٍ، ثُمَّ جَمَعَ الْمُشْرِكُونَ جُمُوعَهُمْ لِقِتَالِهِ فِي حُنَيْنٍ وَالطَّائِفِ فَنَصَرَهُ اللهُ عَلَيْهِمْ، وَأَمَرَهُ فِي السَّنَةِ التَّالِيَةِ بِأَنْ يَنْبِذَ لِلْمُشْرِكِينَ عُهُودَهُمْ وَيَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ فِي مَوْسِمِ الْحَجِّ (137 ج10 ط الْهَيْئَةِ).
(الثَّانِي) أَذَانُ الْمُشْرِكِينَ (إِعْلَامُهُمْ) بِذَلِكَ أَذَانًا عَامًّا فِي يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، وَهُوَ عِيدُ النَّحْرِ الَّذِي تَجْتَمِعُ بِهِ وُفُودُ الْحَاجِّ مِنْ جَمِيعِ الْقَبَائِلِ فِي مِنًى بِحَيْثُ يَعُمُّ هَذَا الْبَلَاغُ جَمِيعَ قَبَائِلِ الْعَرَبِ فِي أَقْرَبِ وَقْتٍ، لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يُحَرِّمُ الْغَدْرَ وَأَخْذَ الْمُعَاهِدِينَ عَلَى غِرَّةٍ، فَكَّانِ لابد مِنْ إِعْلَامِهِمْ بِذَلِكَ بِمَا يَنْتَشِرُ فِي جَمِيعِ قَبَائِلِهِمْ، وَكَانَتْ تِلْكَ الْوَسِيلَةَ الْوَحِيدَةَ لِعِلْمِ كُلِّ فَرْدٍ مِنْهُمْ بِعَوْدِ حَالَةِ الْحَرْبِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا مِنْ عَدْلِ الْإِسْلَامِ وَرَحْمَتِهِ، لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ دَوْلَةٌ وَلَا رَئِيسٌ عَامٌّ يُبَلِّغُهُمْ مَا يَتَعَلَّقُ بِشُئُونِهِمْ وَمَصَالِحِهِمُ الْعَامَّةِ فَيُكْتَفَى بِإِبْلَاغِهِ مِثْلَ هَذَا كَمَا هُوَ الْمَعْهُودُ فِي الدُّوَلِ الْمَلَكِيَّةِ أَوِ الْجُمْهُورِيَّةِ الْمَدَنِيَّةِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي عَصْرِهِمْ صُحُفٌ مُنَشَّرَةٌ عَامَّةٌ وَلَا آلَاتٌ لِلْأَخْبَارِ الْبَرْقِيَّةِ تَنْشُرُ مِثْلَ هَذَا الْبَلَاغِ.
(الثَّالِثُ) مَنْحُهُمْ هُدْنَةً أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ يَسِيحُونَ فِي الْأَرْضِ حَيْثُ شَاءُوا آمِنِينَ مُطْمَئِنِّينَ أَحْرَارًا فِي سَيْرِهِمْ وَإِقَامَتِهِمْ وَسَائِرِ أَعْمَالِهِمُ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ لِيَتَرَوَّوْا فِي أَمْرِهِمْ، وَيَتَشَاوَرُوا فِي عَاقِبَتِهِمْ. وَفِي هَذَا مِنْ رَحْمَةِ الْقَادِرِ بِعَدُوِّهِ مَا يَفْتَخِرُ بِهِ الْمُسْلِمُونَ بِحَقٍّ. وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ صَرِيحَةٌ فِي الْآيَاتِ الثَّلَاثِ الْأُولَى مِنَ السُّورَةِ (ص133 وَمَا بَعْدَهَا ج10 ط الْهَيْئَةِ).
(الرَّابِعُ) وَعْظُهُمْ بِأَنَّهُمْ إِنْ تَابُوا مِنْ شِرْكِهِمْ وَمَا يُغْرِيهِمْ بِهِ مِنْ عَدَاوَةِ الْمُؤْمِنِينَ وَقِتَالِهِمْ وَالْغَدْرِ بِهِمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُمْ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يُعْجِزُوا اللهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ يُعْجِزُوهُ هَرَبًا مِنْهَا، وَقَدْ وَعَدَ بِنَصْرِ رَسُولِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَكْثُرَ أَتْبَاعُهُ وَيُبَايِعَهُ أَنْصَارُهُ، وَأَنْجَزَ لَهُ وَعْدَهُ فِي جُمْلَةِ غَزَوَاتِهِ مَعَهُمْ، وَسَبَبُ هَذَا الْوَعْظِ أَنَّ الْإِيمَانَ أَمْرٌ اخْتِيَارِيٌّ طَرِيقُهُ الْمُوَصِّلُ إِلَيْهِ الدَّعْوَةُ وَدَلَائِلُ الْإِقْنَاعِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي بَقِيَّةِ الْآيَةِ الثَّالِثَةِ {فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} إِلَخْ. وَفِيهَا مِنَ الْإِخْبَارِ عَنِ الْمُسْتَقْبَلِ مَا صَدَّقَهُ الْوَاقِعُ.
(الْخَامِسُ) اسْتِثْنَاءُ بَعْضِ الْمُشْرِكِينَ مَنْ نَبْذِ عَهْدِهِمْ، وَهُمُ الَّذِينَ عَاهَدَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي الْحُدَيْبِيَةِ سَنَةَ سِتٍّ وَلَمْ يَنْقُصُوهُمْ مِنْ شُرُوطِ الْعَهْدِ وَمَوَادِّهِ شَيْئًا، وَلَمْ يُظَاهِرُوا وَيُعَاوِنُوا عَلَيْهِمْ أَحَدًا مِنْ أَعْدَائِهِمُ الْمُشْرِكِينَ وَلَا أَهْلِ الْكِتَابِ، كَمَا نَقَضَ أَهْلُ مَكَّةَ الْعَهْدَ، بِمُظَاهَرَةِ أَحْلَافِهِمْ بَنِي بَكْرٍ عَلَى أَحْلَافِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَنِي خُزَاعَةَ. وَالْأَمْرُ بِإِتْمَامِ عَهْدِهِمْ إِلَى نِهَايَةِ مُدَّتِهِ، وَتَعْلِيلُهُ بِأَنَّهُ مِنَ التَّقْوَى الَّتِي يُحِبُّهَا اللهُ تَعَالَى، وَهَذَا نَصُّ الْآيَةِ الرَّابِعَةِ بِشَرْطِ أَنْ يَظَلُّوا مُسْتَقِيمِينَ عَلَيْهِ كَمَا بَيَّنَهُ فِي الْآيَةِ السَّابِعَةِ.